وزارة العدل .... الحاجة لقرار يمنحها الصلاحيات أم إلى آلية ضمان تنفيذ التشريعات السارية

وزارة العدل .... الحاجة لقرار يمنحها الصلاحيات أم إلى آلية ضمان تنفيذ التشريعات السارية
وزارة العدل .... الحاجة لقرار يمنحها الصلاحيات أم إلى آلية ضمان تنفيذ التشريعات السارية


لما يكد السيد/ وزير العدل يكمل شهره الأول، وقبل أن يتعرف على وزارته ويدرس أوضاعها التنظيمية على نحو جيد من ثم يعد الخطط اللازمة لتنفيذ مهام الوزارة وتطبيقها في الواقع العملي، أوصى إلى مجلس الوزراء بأن يصدر قراراً يتعلق بولاية وزارة العدل على الأعمال القانونية في الدولة. ومن ثم أصدر مجلس الوزراء القرار رقم (57) لسنة 2025 بإجازة موجهات عامة بشأن ولاية وزارة العدل على الأعمال القانونية للدولة. 

ويبدو أن إحساس السيد وزير العدل بعدم وجود الأطر التنظيمية الكافية التي تمكن وزارته من أداء أدوارها والقيام بالمهام الموكلة لها هو الذي دفعه للتوصية لمجلس الوزراء بإصدار هذا القرار. وكأن المشكلة في وزارة العدل هي انعدام النصوص القانونية التي تجعل من وزارة العدل فاعلة في الولاية على الأعمال القانونية بالدولة. إلا أنه بالنظر للقرار الذي أصدره مجلس الوزراء وما تضمنه من موجهات، فإن التشريعات السارية بما فيها قانون تنظيم وزارة العدل لسنة 2017 قد سبق أن حددت بوضوح ومكنت وزارة العدل منها بما يغني عن الحاجة لأي تشريع جديد. ويمكن عقد مقارنة بسيطة بين ما ورد في قرار مجلس الوزراء رقم (57) لسنة 2025، وبين ما تضمنه قانون تنظيم وزارة العدل لسنة 2017 ليتضح عدم الحاجة لنصوص إضافية جديدة يمكن أن تستفيد منها وزارة العدل في بسط سلطانها، وتتضح التغطية التشريعية فيما يلي:
1- ورد في قرار مجلس الوزراء رقم (97) لسنة 2025 (تباشر جميع أجهزة الدولة معاملاتها القانونية عبر مستشارين قانونيين من وزارة العدل) وهذا مغطى في قانون تنظيم وزارة العدل لسنة 2017 في مادة الصلاحيات (تقديم الخدمات القانونية لكافة أجهزة الدولة)
2- ورد في قرار مجلس الوزراء رقم (97) لسنة 2025 (لا يتم إبرام أي عقود أو اتفاقيات أو معاملات يترتب عليها التزامات على الدولة أو بموافقة وزارة العدل أو من يمثلها في أجهزة الدولة) وهذا مغطى في قانون تنظيم وزارة العدل لسنة 2017 (يتولى (وزير العدل) أو يشرف على مد أجهزة الدولة بحاجتها من الخدمات القانونية في صياغة القرارات والعقود والاتفاقيات ومراجعتها)
3- ورد في قرار مجلس الوزراء رقم (97) لسنة 2025 (لا يتم دفع أي مبالغ مالية تتعلق بالتزام تعاقدي إلا بعد التأكد من توثيق العقد بواسطة مستشار قانوني من وزارة العدل) وهذا مغطى في قانون تنظيم وزارة العدل لسنة 2017 وتعديلاته (اعتماد وتوثيق المستندات القانونية والتصديق عليها وأخذ الاقرارات المشفوعة باليمين وتحليف اليمين وفقاً لما تحدده اللوائح)
4- ورد في قرار مجلس الوزراء رقم (97) لسنة 2025 (يتم أشراك ممثل من وزارة العدل في كافة لجان العطاءات والمناقصات الخاصة بأجهزة الدولة وكذلك في أي تفاوض داخلي أو خارجي يترتب عليه التزامات على الدولة) وهذا مغطى في المادة (10) من قانون الشراء والتعاقد والتخلص من الفائض لسنة 2010 (يـتم تكـوين اللجنـة (لجنة المشتريات بالوحدة الحكومية) مـن رئـيس وأربعـة أعضـاء على الأقل مـع ممثـل للإدارة العامـة للشـراء الحكـومي إضافة إلي رئـيس الوحـدة الماليـة ورئـيس وحـدة المشـتريات بالمنشـأة وممثـل الإدارة القانونيـة بالوحـدة وممثل للإدارة الداخلية التي يكون العمل المطلوب من اختصاصها بالإضافة إلي عضو من الجهة الممولة).
5- ورد في قرار مجلس الوزراء رقم (97) لسنة 2025 (على كافة أجهزة الدولة عدم التعاقد أو التعامل مع مكتب محاماة خارجي إلا بموافقة وزارة العدل)، وهذا مغطى في قانون تنظيم وزارة العدل لسنة 2017 (الاستعانة بالخبرة القانونية من خارج الوزارة متى رأى ذلك ضرورياً)
6- ورد في قرار مجلس الوزراء رقم (97) لسنة 2025 (على أجهزة الدولة الالتزام بعدم تعيين أي عضو في هيئة تحكيم نيابة عنها في أي نزاع داخلي أو خارجي إلا بموافقة وزير العدل)، وهذا مغطى في قانون تنظيم وزارة العدل لسنة 2017 (تولي التحكيم في النزاعات المدنية بين أجهزة الدولة وترشيح المحكم في النزاعات المدنية التي تكون أي من أجهزة الدولة طرفاً فيها)

يعكس تسرع وزارة العدل بالتوصية لمجلس الوزراء بإصدار قرار يمنحها الصلاحيات بالولاية على الأعمال القانونية، علة عامة تدل على عدم اتباع الأطر القانونية وفق الإجراءات السليمة بما فيها إعداد الدراسات التي توضح الخلل ومدى الحاجة لإصدار إطار تشريعي لمعالجته. فتصدر التشريعات بناء على الانطباعات والخواطر الشخصية وليس وفق الحاجة المؤسسة على اتباع منهج علمي.

العلة في الرقابة وليس النصوص المحددة للصلاحيات
لا تكمن العلة في عدم ولاية وزارة العدل على الأعمال القانونية في قلة النصوص التي تدعم صلاحياتها، وإنما في انعدام آليات الرقابة على تطبيق التشريعات، والامتثال لها من قبل الأجهزة الحكومية ومن المكلفين بها. وقد درجت النظم المستقرة المحترمة على إنشاء وحدات تختص بالرقابة على تنفيذ التشريعات، والتأكد من تطبيقها ومحاسبة الجهات التي تفشل في تنفيذ مقتضيات التشريعات.

يقول رائد نظم الجودة ويليام إدواردز دمينغ في قول مشهور عنه (لا يمكنك إدارة ما لا يمكنك قياسه، ولا يمكنك تحسين ما لا يمكنك فهمه) يشير بذلك إلى أهمية القياس كأداة للرقابة، فقد طورت النظم الإدارية مؤشرات أداء يمكن من خلالها قياس امتثال الجهات الحكومية للتشريعات ومدى التقيد بالقواعد التي تضمنتها، ومحاسبة المسؤولين عن الخلل. وللأسف فإن مثل هذه الأدوات الإدارية منعدمة لحد كبير في النظام القانوني السوداني فلا توجد آلية لقياس أداء الجهات الحكومية ومدى تطبيقها للقوانين، ولا توجد وسائل واضحة يمكن من خلالها اكتشاف الخلل لدى الوحدات الحكومية بخصوص الامتثال للقواعد القانونية. وستظل الأعمال الحكومية قاصرة ولا يمكن تطويرها ما دام أن عمليات الرقابة منعدمة.

تطوير إدارة التفتيش لإدارة للامتثال التشريعي
تعد إدارة التفتيش إحدى إدارات وزارة العدل، إلا أنها مهامها محصورة في التفتيش على أداء المستشارين القانونية وأعمال وحدات وزارة العدل، فتضمنت أدوارها وفق اللوائح المنظمة لأعمالها:
- التفتيش على المكاتب الإقليمية والنيابات والمكاتب القانونية خارج الديوان
- التفتيش على أعمال المستشارين حتى درجة كبير مستشارين .
- المشاركة في إعداد تقارير أداء المستشارين بتضمينها تقارير التفتيش .
- التعرف على جوانب القصور في أداء المستشارين عند إجراء التفتيش على أعمالهم ورفع توصياتها وملاحظاتها للجهات المختصة لاتخاذ اللازم
وهذا بالطبع لا يكفي في التفتيش على تنفيذ التشريعات في الجهات الحكومية المختلفة. فمن الضروري تطوير هذه الإدارة من إدارة قاصرة على أعمال الوزارة الداخلية إلى إدارة تتعلق بالرقابة التشريعية على مستوى كافة أجهزة الدولة، ومنحها الصلاحيات لتطوير نظام متكامل للامتثال التشريعي. وهذا واجب لابد أن تدرسه وزارة العدل وتسعى لتطبيقه لتحقق قفزة في تنفيذ التشريعات، عوضاً عن إصدار مزيد من القوانين التي تتضمن نصوصاً مكررة لا تعطي مزيداً من الفائدة

أبوذر الغفاري بشير عبد الحبيب

تعليقات