يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استخدام تهديد الرسوم الجمركية المرتفعة لدفع الهند إلى الابتعاد عن روسيا، في مسعى لزيادة الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
لكن العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية العميقة بين نيودلهي وموسكو تجعل من الصعب على واشنطن إقناع رئيس الوزراء ناريندرا مودي بإنهاء شراكة صمدت أمام أزمات جيوسياسية كبرى.
في الأيام الأخيرة، انتقد ترامب اعتماد الهند الكبير على واردات النفط الروسي وشراء المعدات العسكرية من موسكو. وفي خطوة عقابية، فرض الأربعاء الماضي رسوماً إضافية بنسبة 25% على الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة، ما ضاعف الرسوم القائمة إلى 50% وفق متابعات بقش، رداً على استمرار نيودلهي في شراء النفط الروسي. ورغم هذه الضغوط، تمسك مودي بموقفه، مؤكداً أن العلاقات مع روسيا “مهمة للغاية” للهند.
التقارب الروسي الهندي
منذ الحرب الباردة، كانت روسيا أحد أكثر الشركاء ثباتاً للهند، في علاقة ارتكزت على صفقات السلاح والتعاون الاقتصادي والدعم الدبلوماسي، خاصة في مواجهة الصين وباكستان. وبعد توتر العلاقات السوفيتية-الصينية في ستينيات القرن الماضي، تقاربت موسكو مع نيودلهي وقدمت أكثر من مليار دولار كقروض لشراء سلع عسكرية وغير عسكرية روسية، وباعت النفط بأسعار أقل من السوق بنسبة تراوحت بين 10% و20%.
وفق المؤرخين، أرسلت موسكو خبراء جيولوجيا إلى الهند للبحث عن النفط، وعندما لم يتم العثور على كميات كبيرة، سمحت الهند بشراء النفط السيبيري مقابل شحنات من الشاي لتوفير النقد الأجنبي. وتوطدت العلاقات أكثر بعد دعم واشنطن لباكستان وفرضها عقوبات على الهند في 1974 و1998 إثر تجاربها النووية.
لم تدفع الحرب في أوكرانيا مودي للتخلي عن موسكو، فقد تبنت الهند سياسة الحياد، وامتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة لإدانة الغزو، ورفضت الانضمام إلى العقوبات الغربية. ومع تحول الغرب بعيداً عن النفط الروسي وفرض سقف سعري على صادراته، استفادت نيودلهي من خصومات كبيرة، ما وفر لمصافيها 17 مليار دولار في ثلاث سنوات، وفق وكالة التصنيف الائتماني الهندية.
في 2023، شكّلت الهند أكثر من ثلث صادرات النفط الروسية لتأتي في المرتبة الثانية بعد الصين. وتعد الهند ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة والصين، وتعتمد على الاستيراد لتلبية 90% من احتياجاتها. قفز حجم التجارة بين البلدين إلى 69 مليار دولار خلال ثلاث سنوات، بدعم من واردات الخام التي سمحت للهند بخفض أسعار الوقود محلياً وزيادة أرباح صادراتها من المنتجات النفطية.
تشير بيانات شركة كبلر إلى انخفاض واردات النفط الروسي في يوليو بمقدار 500 ألف برميل يومياً إلى 1.6 مليون برميل، وهو أدنى مستوى في خمسة أشهر وفق مراجعات بقش. ورغم توجه بعض المصافي إلى مصادر بديلة من الشرق الأوسط وغرب إفريقيا، فإن الاستغناء الكامل عن النفط الروسي “لوجستياً واقتصادياً وسياسياً صعب للغاية”.
ما يزيد من تعقيد الموقف هو التعاون العسكري؛ إذ إن ما يزيد على نصف الأسلحة الهندية روسية أو سوفيتية الصُنع. ويشمل التعاون الحالي تزويد البحرية الهندية بفرقاطات شبحية، وبناء سفن حربية بمساعدة أحواض “يانتار” الروسية.
كما اشترت الهند خمس وحدات من منظومة الدفاع الجوي S-400، تسلمت منها ثلاث وحدات نشرت على الحدود مع الصين وباكستان حسب متابعة بقش. ويرى خبراء أن استبدال هذه المعدات سيستغرق عقوداً، إن كان ممكناً أصلاً، ما يمنح روسيا موقعاً لا يمكن تعويضه في الاستراتيجية الدفاعية الهندية.
تأتي هذه الأزمة في سياق أوسع من التحولات الجذرية في النظام التجاري العالمي، حيث تعيد الرسوم الأمريكية المرتفعة تشكيل مسارات التجارة والتحالفات الاقتصادية. فالتصعيد ضد الهند، وهي عضو فاعل في تكتل “بريكس”، يسلط الضوء على التحديات التي تواجه الدول النامية في موازنة مصالحها بين أسواق الغرب وشراكاتها الاستراتيجية في الشرق.
وفي الوقت الذي تسعى فيه “بريكس” إلى تقليل الاعتماد على الدولار وتعزيز التبادل التجاري بعملاتها المحلية، تمثل الرسوم الأمريكية اختباراً لمدى صلابة هذه التكتلات وقدرتها على حماية أعضائها من الضغوط الاقتصادية الغربية، وهو ما يجعل الموقف الهندي تجاه روسيا جزءاً من معركة أوسع على مستقبل قواعد التجارة العالمية.
Nahda_TV
تعليقات
إرسال تعليق